السامري: قصة الفتنة والضلال

السامري: القصة والدلالات في التراث الديني

يعتبر السامري أحد الشخصيات البارزة في التراث الديني، خصوصاً في الكتب السماوية مثل التوراة والقرآن الكريم. تمثل قصته في الكتابات الدينية العديد من الرموز والدلالات التي تعكس الصراع بين الإيمان والضلال، وبين الرؤية الروحية والابتعاد عنها. يطرح السامري نفسه كأحد الرموز المثيرة للجدل، حيث يمثل نوعاً من الطغيان الفكري والتضليل الديني. في هذا المقال، سنقوم بتسليط الضوء على شخصية السامري من خلال مختلف الأبعاد الدينية والتاريخية، ونناقش دور هذه الشخصية في الأديان السماوية مثل اليهودية والإسلام.

السامري في الكتاب المقدس

في التوراة، يُذكر السامري في سياق حادثة العجل الذهبي التي حدثت بعد خروج بني إسرائيل من مصر. إذ كان السامري أحد الأشخاص الذين استغلوا فترة غياب النبي موسى على جبل سيناء، ليُضل قومه، فيصنع لهم العجل الذهبي ليعبدوه من دون الله. ووفقاً للتوراة، فإن السامري كان حكيماً في الإقناع واستخدام الوسائل التي تهيّج العواطف الدينية لدى بني إسرائيل، ليجرهم إلى عبادة العجل.

كان السامري في هذه الرواية رمزاً للفتنة الدينية وللنزاع بين الهداية والضلال. فقد كان يعرف أن العجل ليس إلهًا، لكنه استخدمه كوسيلة للتلاعب بالعقول، مستفيداً من حالة الارتباك والضعف النفسي التي مر بها بني إسرائيل بعد عبورهم للبحر الأحمر وتحررهم من العبودية. وقد جاء الرد الإلهي على هذه الفتنة عبر نبي الله موسى الذي أعلن غضب الله على من عبدوا العجل، وأمر بمعاقبتهم.

السامري في القرآن الكريم

أما في القرآن الكريم، فقد ورد ذكر السامري في سورة طه، في سياق قصة العجل الذهبي. في القرآن، يُحكى أن السامري كان أحد الأشخاص الذين تولوا مسؤولية تضليل بني إسرائيل بعد غياب النبي موسى، حيث قام بصنع العجل من الذهب وطلب منهم عبادته. ويُذكر في القرآن أن السامري كان لديه نوع من الفهم العميق للخيال البصري، فقد قام باستخدام بعض الحيل البصرية التي جعلت العجل يبدو كما لو كان ييحدث أصواتاً، مما أثار الانتباه وفتح الباب للعبادة الخاطئة.

وفي آية 87 من سورة طه، يقول الله سبحانه وتعالى: “قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ”، حيث يعبر النبي موسى عن استغرابه من تصرف السامري. ومن ثم يرد السامري بتبرير فاعله قائلاً: “فَرَأَيْتُ مَا لَمْ يَرَوْا”، في إشارة إلى نوع من الفهم الغامض الذي قد يكون استخدمه لتبرير تصرفه.

تتميز قصة السامري في القرآن بالتركيز على العنصر الروحي والفكري، حيث يُظهر القرآن أن السامري لم يكن جاهلاً بأبعاد الخداع الديني، بل كان واعياً لما يفعله. وعلى الرغم من أنه كان يعلم أن العجل لا يمكن أن يكون إلهاً، إلا أنه قرر أن يستخدمه كأداة للتحكم في عقول الناس.

رمزية السامري في الديانات المختلفة

تعتبر شخصية السامري رمزاً مهماً في العديد من الثقافات الدينية، حيث يتم تمثيلها في الأدب والفن على أنها شخصية تحمل صفات الغواية والمكر. وقد تمثل القصة تحذيراً للأمة من الانصياع وراء الشخصيات التي تروج للأفكار المنحرفة والتي تستغل العواطف الدينية لتحقيق أهداف شخصية.

من الناحية الرمزية، فإن السامري يمثل القوة الخفية التي تسعى لتضليل البشر، باستخدام أساليب الفتنة التي تلعب على مشاعر الناس وأفكارهم. في القرآن، تتضح دلالة هذه الشخصية بشكل قوي، حيث يرمز السامري إلى أولئك الذين يسعون إلى نشر الفتنة والضلال بين الناس، ويستخدمون الوسائل الخادعة للتأثير في قلوب العباد.

وفي السياق الإسلامي، يُفهم السامري أيضاً على أنه يمثل كل شخص يضلّ الناس عن الطريق المستقيم، ويتبع السبل التي تُغري الآخرين بعيداً عن عبادة الله الخالصة. هذا المفهوم لا يقتصر على فترة موسى فقط، بل يمكن أن يتوسع ليشمل أي شخص في أي عصر يسعى لنشر الأفكار الضالة.

تأثير السامري على بني إسرائيل

بعد أن صنع السامري العجل الذهبي، بدأت الفتنة تنتشر في بني إسرائيل. وقد ساد بين الناس نوع من الحيرة والقلق حول العبادة الجديدة التي تم تقديمها لهم. كانت الخوف والتشويش هو السمة البارزة التي سادت في تلك اللحظات، مما أدى إلى الضعف العقلي والروحي في صفوف بني إسرائيل. هذه المرحلة أظهرت كيف أن الأشخاص الذين يفتقرون إلى التوجيه الروحي السليم قد يكونون عرضة للانزلاق وراء الخداع الديني.

يُعتبر هذا الحدث في التراث الديني علامة تحذيرية للشعوب في مختلف الأوقات. ففي كل مرحلة من تاريخ الأديان، هناك شخصيات تضطلع بمهمة نشر الضلال، ويجب على الأفراد أن يكونوا يقظين أمام هذه المحاولات التي قد تأتي بأشكال متنوعة.

العواقب الإلهية على السامري وقومه

في النهاية، جاء العقاب الإلهي على السامري ومن تبعه من بني إسرائيل. فقد أُجبر السامري على أن يكون معزولاً عن قومه، وكان مصيره مصيراً غير سعيد، كما ورد في القرآن: “قَالَ فَذُوقْ إِنَّكَ فِي حَيَاةٍ لَا تَجْزِي” (سورة طه). هذا العقاب يعكس بشاعة التضليل الديني، وكيف أن الله سبحانه وتعالى يعاقب الذين يسعون إلى إغواء الناس وإبعادهم عن الطريق المستقيم.

هذا الحكم الإلهي يعكس عدالة الله في معاقبة أولئك الذين يسعون إلى تدمير وحدة المجتمع الديني والتأثير في إيمان الناس بطريقة فاسدة. كما أنه يشير إلى أن الجريمة الدينية، مثل عبادة الأوثان، تعتبر من الجرائم الكبرى التي تستحق العقاب الإلهي.

السامري في الأدب والفن

على مر العصور، تحولت شخصية السامري إلى رمز ثقافي في الأدب والفن. فقد قام العديد من الكتاب والفنانين بتصوير السامري كشخصية تستحق اللوم والعتاب، تمثل الخداع والتضليل. في الأدب العربي، نجد أن السامري يمثل الشخص الذي يُغرر بالآخرين لأهدافه الشخصية، ويُظهر عواقب هذا السلوك في النهاية.

وفي الفن التشكيلي، تم تصوير السامري في العديد من اللوحات الفنية التي تجسد الموقف الدرامي بينه وبين النبي موسى. تُظهر هذه اللوحات الصراع بين الخير والشر، وبين الإيمان والضلال. كما أن السامري أصبح رمزًا في العديد من الأعمال الأدبية التي تتناول مسألة الفتنة والغواية في المجتمع.

الخاتمة

يعد السامري شخصية محورية في التراث الديني والإنساني، فقد تجسد من خلاله العديد من القيم الروحية والأخلاقية التي تركز على الصراع بين الحق والباطل، وبين النية الطيبة والشر. تجسد قصته تحذيراً للمؤمنين من الانزلاق وراء الضلال والخداع، وتعتبر مصدرًا لفهم كيفية تأثير الشخصيات الضالة في المجتمعات الدينية وكيفية التصدي لها.